lundi 13 décembre 2010

د. منصر..تاريخ تونس الحديث طبع بالصراع بين حزب الدستور و

د. منصر..تاريخ تونس الحديث طبع بالصراع بين حزب الدستور وطباعةارسال لصديق

Imageالسبيل أونلاين – تونس – خاص + فيديو قدّم الدكتور عدنان منصر كتابه الجديد"الدر ومعدنه"،الذي يتناول تاريخ الحركة النقابية التونسية وعلاقة الصراع بين حزب الدستور والنقابة والتى طبعت تاريخ تونس الحديث، خلال مرحلتي الإستعمار الفرنسي والعهد البورقيبي، وذلك يوم الجمعة 10 ديسمبر 2010.وفي إفتتاح الندوة...

قدم كتابه "الدر ومعدنه" حول التاريخ النقابي بتونس

فيديو:الدكتور عدنان منصر..تاريخ تونس الحديث طبع بالصراع بين حزب الدستور والنقابة

السبيل أونلاين – تونس – خاص + فيديو

قدّم الدكتور عدنان منصر كتابه الجديد "الدر ومعدنه"،الذي يتناول تاريخ الحركة النقابية التونسية وعلاقة الصراع بين حزب الدستور والنقابة والتى طبعت تاريخ تونس الحديث، خلال مرحلتي الإستعمار الفرنسي والعهد البورقيبي ، وذلك يوم الجمعة 10 ديسمبر 2010 .

وفي إفتتاح الندوة التي انعقدت بـ"منتدى الجاحظ" بالعاصمة ، قدم الأستاذ عبد العزيز التميمي الدكتور والمؤرخ عدنان منصر والمواقع الأكاديمية المتقدمة التي شغلها .

وإستعرض الدكتور منصر في بداية تقديمه لكتابه الجديد "الدر ومعدنه" ، صورة الغلاف التي تُظهر "الحبيب عاشور في وضعية هجوم والحبيب بورقيبة في وضعية دفاع وهي صورة مأخوذة أثناء مؤتمر الإتحاد التونسي للشغل في سبتمبر سنة 1956" ، وأشار إلى علاقة التجانس التي ربطت الرجلين ، مؤكدا أن الحبيب بورقيبة في تلك الفترة كان أقوى من الحبيب عاشور ولكنه كان في حاجة له ، للإنقلاب على أحمد بن صالح ، وأن الصراع بين الحزب والحكومة من جهة والإتحاد من جهة أخرى ، احتدم في تلك الفترة أي سنة 1978 .

أما مضمون الكتاب ، فقال الدكتور منصر أنه "يثير بعض الإشكاليات التي تهمنا جميعا " بالنظر إلى أن العنصرين المركزيين في التاريخ المعاصر لتونس ، هما الحزب الدستوري والحركة النقابية .

وأضاف المؤرخ أن الكتاب ينقسم إلى محاور غير تقليدية ، وأنه لم ينطلق من تاريخ الأحداث بل من خلال محاور، فـ"مخطط الكتاب ينقسم إلى ثلاثة محاور رئيسة" ، وهي علاقة الحركة النقابية بالحركة السياسية في البلاد التونسية في الفترة المعاصرة من خلال أربعة تجارب ، ثلاثة تجارب تأسيسية وأربعة في الخلاف ، ففي مرحلة التأسيس النقابي الأولى سنة 1924 ، شارك شباب الحزب مثل الطاهر الحداد وأحمد الدرة ، والتجربة الثانية والتي بدأت في 1937 عايشت فترة محمد علي الحامي وجل المؤسسين جاؤوا من الحزب الدستوري .

وأما التجربة الثالثة وهي تأسيس الإتحاد العام التونسي للشغل في جانفي 1946 ، فهي تجربة تأسيسية توازت مع تجارب تأسيس في ميادين أخرى ، كما تزامنت مع وجود الزعيم صالح بن يوسف في الأمانة العامة للحزب الدسترري ، فكان الدستوريون في كل مراحل التأسيس ، ولم تطرح مسألة الإستقلالية النقابية إلا في فنرات لاحقة ، وخاصة حين تندلع الصراعات ، والتي خصص لها المؤرخ فصلا ثانيا في الكتاب ، وهو "مفهوم الإستقلالية النقابية من خلال الخطاب" .

وقسّم منصر هذا الفصل إلى الفترتين الرئيسيتن ، مرحلة النضال من أجل التحرر ، ومرحلة الإستقلال ، وتعرض في الفترة الأولى لتجربة محمد علي الحامي مع اللجنة التنفيذية للحزب القديم ، والتجربة الثانية لبلقاسم القناوي وجامعة عموم العملة مع الحزب الدستوري الجديد ، وانتهت كلا التجربتين إلى تحطيم تجربة جامعة عموم العملة التونسيين الأولى والثانية .

وأكد المؤرخ والأستاذ الجامعي ، أن فشل التجربة الأولى وتحطيمها كان سببه اللجنة التنفيذية للحزب ، التى فاوضت الإشتراكيين الذين كانوا في الحكم في فرنسا آن ذاك ، وقد إبتعد الدستوريون عن شبهة التحالف بينهم وبين الشيوعيين ، وكان الطرف الوحيد الذي ساند هذه التجربة إلى النهاية هو الحزب الشيوعي التونسي .

وفي التجربة الثانية إندلع صراع بين الديوان السياسي وجامعة القناوي على خلفية إستقلالية الجامعة العمالية ، وقال الدكتور منصر "أرى أن البعض من المؤرخين حملوا هاته المسألة أكثر مما تحتمل" .

وبعد الإستقلال تغيرت العلاقة بين الطرفين ، حيث أصبح الإتحاد العام التونسي للشغل شريكا للحزب في مراحل النضال من أجل الإستقلال ، وهو الذي أعطى "مضمون إجتماعي تقدمي" للدولة الحديثة المستقلة منذ 1956 ، فقد وافق الدستوريون على التقرير الإجتماعي للإتحاد الذي قدم في مؤتمر 1956 ، و أيضا قبل ذلك في مؤتمر الحزب في صفاقس سنة 1955 ، إذ أنهم كانوا يريدون إفتكاك الحزب من الشق اليوسفي وطردهم منه ، لذلك سيستفيد الدستوريون فيما بعد من ذلك ويتهمون أحمد بن صالح بالشيوعية ، ويسيحصل ذلك الإنقلاب الشهير ضده على يد تحالف بين أحمد التليلي والحبيب عاشور إذ قاموا بإيقالته عندما كان في المغرب .

وقال منصر أن الإتحاد أظهر إصرارا في سنة 1956 ، على أن يدخل المرحلة المستقلة من تاريخ البلاد بمنطلق الشريك الأساسي في صنع المستقبل ، عن طريق برنامج إجتماعي واقتصادي جرئ لسد فراغ الحزب الدستوري الذي لم يكن يملك أي برنامج للحكم ، ورغم جدية البرنامج المقدم من الإتحاد فإن الإنقلاب على القيادة النقابية تم بيسر كبير إذ أن ولاء العمال و النقابيين كان سياسيا أكثر منه نقابيا .

يأخذنا ذلك مباشرة إلى أزمة جانفي 1978 ، والذي كانت بوادرها قبل ذلك بعام من خلال اتجاه الإتحاد والحزب نحو الصدام ، وبدأ تصفية تدريجية عبر مصادمات قصر هلال ، ثم تطور إلى أحداث جانفي الأليمة ، وحسب منصر فهي مصادمات تعكس نوعا من الإنسداد السياسي أكثر منه إصرارا من جانب الإتحاد على تقديم بدائل .

وأضاف الدكتور عدنان منصر أن "القضية الأساسية التي يجب أن نتوقف عندها هي أن الإتحاد قد أصبح الفضاء الوحيد للعمل الديمقراطي باعتبار الإنسداد السياسي ونظام الحزب الواحد ، ولم تكن أي أحزاب تنشط إلا بطريقة سرية ، وإن أرادت الخروج للعلن فإنها تنشط ضمن الإتحاد العام التونسي للشغل ، فوجدت القيادة النقابية الممثلة من طرف الحبيب عاشور في الأمانة العامة والذي كان أيضا عضوا في اللجنة المركزية للحزب الدستوري ، وجدت القيادة النقابية نفسها مدفوعة إلى تبني أفكار تتعارض مع توجهات الحكومة ، بالإضافة إلى أن بعض الإلتزامات الخاصة التي نسجتها القيادة النقابية متمثلة في الحبيب عاشورمع بعض رموز السلطة في إطار الصراع على الحكم ، وأذكر على سبيل المثال التحالف بينه وبين وسيلة بورقيبة زوجة الرئيس السابق والطاهر بلخوجة ، وهذا التحالف قرر الصدام مع حكومة الهادي نويرة".
مفهوم الإستقلالية لنقابية على مستوى الممارسة

وأكد منصر أن هناك وباستمرار مسعى للإستحواذ على المنظمة النقابية ، لا بهدف صهرها في هياكل السلطة أو الحزب ولكن بالتصرف من داخلها ، واعتبارها مجرد منظمة وطنية كبقية المنظمات الأخرى كاتحاد المرأة أو إتحاد الفلاحة أو غير ذلك ،
وهو ما كان يقابل في فترات طويلة بالموافقة الضمنية من طرف النقابيين وأحيانا بالرفض .

وقال المؤرخ أنه حاول العودة إلى التراث الدستوري للبحث في مسألة الإستقلالية النقابية ، وأنه توقف عند الأزمة التي أدت إلى نهاية التحالف المرحلي والمحدود بين الحزب الدستوري القديم وجامعة محمد على الحامي ، حيث أنه في البيان الذي أعلن فيه الدستوريون التخلي عن جامعة محمد علي الحامي ، نقرأ أن اللجنة التنفيذية للحزب وحدها هي التي تقدّرالمصلحة ، وهي المخولة بمفردها للسهر أو لتطبيق السياسة التي تريد والتي تراها تراعي المصلحة العامة للأمة التونسية ، وهو بداية إحتكار لتمثيل التونسيين والشعب التونسي ، وأكد عدنان منصر أن بداية تركيز الإحتكار هو الذي سيؤدي إلى إعتبار الدستوريون الجدد أنفسهم مخولين للحديث بإسم الشعب التونسي ، وهو ما لمسناه في الخطاب السياسي التونسي طيلة الفترة البورقيبية .

من تونس - عبد السلام التوكابري

lundi 29 novembre 2010

الدر ومعدنه، عدنان المنصر: K و ، حوار مع جريدة الشروق التونسية بتاريخ 23 نوفم...

الدر ومعدنه، عدنان المنصر: K و ، حوار مع جريدة الشروق التونسية بتاريخ 23 نوفم...: "الأستاذ عدنان المنصر، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة، من مواليد منزل كامل ولاية سوسة، أب لطفلين بنت وصبي، اختا..."

dimanche 28 novembre 2010

K و ، حوار مع جريدة الشروق التونسية بتاريخ 23 نوفمبر 2010، ، الجزء الأول



الأستاذ عدنان المنصر، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة، من مواليد منزل كامل ولاية سوسة، أب لطفلين بنت وصبي، اختار أن يبحث عن تسلسل الأحداث عبر الزمان وأحواله، وأحوال ما يتعلق به في المكان، وكان أفضلهم بالنسبة لدراسته تونس والمغرب العربي. لم يقتصر على الدراسة، بل أخذ يدون ليحفظ الأخبار بشكل متسلسل ومتطور يحمل دائماً جديداً عما مضى، معتمداً على نزاهة فكرية وانسانية، ومنهج علمي ومعرفة اجتماعية وثقافية وسياسية واضحة.
يحمل عدنان الشجاعة في عصر مثل عصرنا للكشف عن مسائل متجاهلة أو مسكوت عنها، أخذ عدنان من هبات الحياة أجملها : الشباب والذكاء، ومن الفضائل أفضلها : التسامح والتواضع والاخلاص لأصدقائه ولتاريخه، والانفتاح الفكري للحوار مع الآخر وتقبل وجهات نظر مختلفة ومتضاربة
.
٭ دراستك أدبية فكيف أتيت الى التاريخ ؟


ـ أتيت إلى التاريخ لأن تكويني أدبي، أميل لكل ما هو فهم وتحليل، كان الوالد معلماً متقاعداً، وجهنا لكل ما هو أدبي كتكوينه هو، وكان من المفروض أن أختار أدبا انقليزيا أو فرنسيا، لكن أستاذ ي في التاريخ في الثانوي «محمد بودخان» رحمه الله، نصحني وشجعني باختيار مادة التاريخ، فآفاقها في البحث والدراسات أكثر من اللغات.


٭ لو تعاد الكرة ؟

ـ أختار التاريخ

٭ ثم درست بدار المعلمين العليا ؟

ـ درست الأستاذية المزدوجة تاريخ وجغرافيا، كنت أميل إلى التاريخ الوسيط والمعاصر، ثم تغلب الميل الى المعاصر، كان الأستاذ علي نور الدين أول أستاذ عملت معه بحثاً حول «الخلافات الحزبية النقابية» كذلك شجعني الأستاذان عبد اللطيف مرابط ومحمد سعيد على دراسة التاريخ، بعد الأستاذية كنت من المتفوقين، وتحصلت على منحة لمدة سنتين في مدرسة المعلمين العليا، سنة لاعداد الكفاءة في البحث، وسنة لاعداد التبريز في التاريخ. نجاحي بتفوق أعفاني من التدريس في المدارس الثانوية، لكنني عملت أستاذاً في المدارس العليا بقربة وتونس لتكوين المعلمين،ثم تقدمت بمناظرة لانتداب المساعدين ودخلت لسلك التعليم، دخلت إلى معهد بحوث الحركة الوطنية التي تهتم بكل ما هو تاريخ تونس المعاصر من مراكز الأرشيف الفرنسية.
٭ ما هي البحوث التي اهتممت بها في معهد بحوث الحركة الوطنية؟
ـ اشتغلت مدة في وحدة التاريخ الشفوي لجمع الشهادات الشفوية، ولتوفير المصادر من النوع الشفوي وتسمى في التاريخ «أرشيف الصدور»، ثم كلفت بوحدة الدراسات والبحوث التاريخية في المعهد، وفي الوحدة قمت بتنظيم أيام دراسية، وأهم شيء بعثت مجلة «روافد» مع الأستاذ رؤوف حمزة، تقاسمنا رئاسة التحرير، أصدرت منها خمسة أعداد، حتى سنة 2000، ثم انتقلت بعدها الى كلية الآداب بسوسة لتدريس التاريخ المعاصر.
٭ أي مرحلة بالتحديد تسمى التاريخ المعاصر؟
ـ التاريخ المعاصر بالنسبة إلى تونس هو بداية من دخول الحماية الفرنسية، وهناك من يبدأ التاريخ المعاصر من حركة الاصلاحات، وهذا اختصاصي في البحث، كل ما يخص الفكر السياسي وتاريخ المؤسسات في تونس تحت الحماية وبعد الاستقلال.لكن في التدريس درست عدة مواضيع : المغرب العربي بصفة خاصة الفترة المعاصرة، ودرست أيضاً تاريخ مصر.

٭ هل ما زلت تواصل البحث في التاريخ ؟
ـ طبعاً، فما بين بحث وبحث تزداد طبيعة المصادر المعتمد عليها وزاوية التحليل، وشكل الفهم وفهم العوامل في علاقتها ببعضها البعض، لذلك لا ينتهي البحث التاريخي، هناك دائماً زوايا جديدة ووثائق تزداد، البحث التاريخي يعتمد على حركية مستمرة.
٭ بالنسبة إلى التاريخ الحديث، ألا تعتقد أن هناك مشكلة فكل يروي التاريخ برؤية شخصية غالباً غير محايدة ؟
ـ لا يوجد مصدر محايد، وفي تونس الوثائق تنتجها ادارات الدولة، ورغم ذلك نشتغل على وثائق فرنسية أنتجتها سلطة الحماية، يمكن للمؤرخ أن يكتب تاريخاً وطنياً انطلاقاً منها.
٭ أليست رواية التاريخ الحديث مربوطة بشرطها التاريخي ؟
ـ الخطأ ليس في الكتابات، لكن القراءة موجهة وهذا طبيعي، الكتابات هدفها غالباً اعطاء ايديولوجيا لسلطة نشأت في رحم النضال الوطني، مثلاً بناء شرعية تاريخية لزعامة بورقيبة، ثم تضخيم دور الحزب وداخل الحزب تضخيم دور بورقيبة الى أن يصبح فرداً واحداً يلخص كل النضال الوطني، فالقراءة سياسية موجهة، وهذا يمكن أن يفهمه المؤرخ، ويتعامل معها على أنها قراءة ويجعل منها نسبية، وكل ما ألغته تلك القراءة يحاول أن يرجعه للصورة. كانت تلك القراءات وكأن دور الحزب القديم لا يذكر وهذا خطأ سهل ابرازه، لأن القراءة الرسمية للتاريخ في الفترة البورقيبية كان انطلاقها تأسيس الحزب في باريس سنة 34، يعني فترة الانشقاق، في حين أنه لا يمكن أن يحدث انشقاق اذا لم تكن هناك وحدة في السابق، فالبناء اذن سابق عن 34، وفي نظري هذه القراءة خطيرة لأنها قراءة سياسية تهتم بجانب وفترة على حساب جوانب وفترات أخرى، دور المؤرخ تنسيب الفترة وتنسيب الجوانب، وادخالها في منطق هام هو التواصل التاريخي، دور المؤرخ يمكن أن ينتصر على القراءة التي ترتكز على القطيعة، فتكون النتيجة كتابة تاريخ متشظ، أو بامكان المؤرخ أن ينظر للمسألة على المستوى العلمي بمنطلق التواصل والتأثير المتبادل بين مختلف الأطراف ومختلف الفترات، فينتج بالتالي قراءة تساهم في تفسير شعور جماعي بالوحدة والهوية الوطنية.

٭ بماذا تفيد الدراسات التاريخية المتواصلة ؟
ـ هنا تكمن مسؤولية المؤرخ، بأن تساعد دراساته الانسان العادي، أي المجموعة التي تعيش في رقعة ترابية واحدة، وتجمع بين أفرادها ثقافة ولغة واحدة على ترسيخ شعورها بالوحدة أو تحطيم هذا الشعور، والأمر يزداد خطورة مع التحديات الراهنة، خاصة التأثيرات التي يتعرض لها الناس العاديين عبر القنوات أو الحركات الفكرية الخارجية، وخاصة تيار ما يسمى بالعولمة الثقافية.
٭ هل يمكن زيادة على النزاهة الفكرية التجرد تماماً من العاطفة؟
ـ كل ماهو نزاهة أو تجرد من العاطفة يوفره المنهج العلمي، فالتاريخ من العلوم الانسانية، وهو ليس علماً كالفيزياء والطب، يعني أن المؤرخ لا يجب أن يحدد نتيجة بحثه بصفة مسبقة، لأن في هذه الحالة سيضطر إلى التخلي عن نزاهته العلمية عن طريق تبجيل وثائق معينة ومعلومات معينة واهمال الوثائق التي قد تتناقض مع توجهه العام، هنا يتوقف التاريخ على أن يكون علماً ويصبح ايديولوجياً، وهذا ليس خاصاً بمدرسة فكرية واتجاه سياسي دون غيره.
٭ هل تمكنت من أن تكون متجرداً من العاطفة أثناء دراساتك؟ وهل يمكن التخلي عن الذاتية؟
ـ التجرد نسبي، لكن في المسار الأكاديمي هناك ضمانات للنجاح في بلوغ حد محترم من التجرد، فدور المشرف على أطروحة مثلاً هو مراقبة وتقييم التجرد، كذلك النقد الموجه في المؤتمرات والقراءات التي تسبق أعمال النشر، يعني دائماً فرصة لتوجيه المنهج، وهذه خاصية في الانتاج الأكاديمي الذي يكون هدفه انتاج معرفة علمية.هناك ازدواجية، ولهذا تسمى علوم انسانية، وليست علوم صحيحة، الذاتي موجود فيها، لكن بحد محدود، الكتابات الايديولوجية لا تعيش طويلاً، الايديولوجيات ليست خالدة ٭ نشرت أول كتاب لك عن «المقاومة المسلحة في تونس»؟
ـ الكتاب عمل مشترك مع الصديق عميرة علية الصغير، وهو كتاب وثائق مصدرية عن المقاومة المسلحة، توفير وثائق للأساتذة والباحثين من دخول معلومات تاريخية مهمة.
٭ كيف تجمع وثائقك ؟
ـ نضع تخطيطاً للكتاب الذي له صبغة خاصة، ثم ننتقي الوثائق الأصلية حسب مصدريتها، مع الحرص على تنوع المصادر فرنسية أو غير فرنسية الموجودة في الأرشيف الوطني، ومعهد الحركة الوطنية،والتسجيلات الشفوية والصحافة.
٭ كم دام البحث بالنسبة إلى كتاب «المقاومة المسلحة في تونس»؟
ـ كان عملاً مشتركاً دام ما يقارب سبعة أو ثمانية أشهر، ما عدا خدمة الوثائق والتصليح، وقد طبع الكتاب في طبعتين نفذتا بسرعة، وهذا يعني أن الناس بحاجة إلى المعرفة والاكتشاف، لاحظت منذ عشر سنوات هذا الاهتمام الذي يخص التاريخ في تونس، هذا مرتبط بتطور نفسي وفكري في العالم على زوال الحدود بين الثقافات رغبة في التموقع داخل الهوية التاريخية. لذلك لا بد من التأكيد على المنهج الذي يركز على طابع التواصل في تاريخنا، ووحدة انتماء التاريخ والثقافة والجغرافيا. التاريخ هو عودة وتقييم للماضي لكنه أيضاً بناء للمستقبل، وهنا تكمن أهمية البناء على أساس متين دون أن يؤثر ذلك على سلامة المنهج، المؤرخ مطالب بانتاج معرفة علمية أكاديمية قبل كل شيء. أي حياد عن المنهج العلمي يجعله يسقط في التناول الايديولوجي ٭ كتابك الثاني «استراتيجية الهيمنة، الحماية الفرنسية ومؤسسات الدولة التونسية»؟
ـ الى حين صدور هذا الكتاب، لم يكن هناك اهتمام لدى المؤرخين بالمؤسسات السياسية التونسية تحت الحماية، كانت معظم الدراسات تتوجه الى دراسة الحركة الوطنية والحركة النقابية ونظام الحماية...الخ، كان هناك اهمال لهذا الموضوع ناتج عن قراءة تقول إنه لم يكن لهذه المؤسسات نفوذ واقعي، وهذا خطأ فقد كان لهذه المؤسسات حضورها الواقعي والرمزي في خريطة السلطة في فترة الحماية.
٭ ما هي المؤسسات التي خصصتها لدراستك؟
ـ درست ثلاث مؤسسات من فترة الحماية حتى الاستقلال :
٭ مؤسسة الباي والبلاط
٭ مؤسسة القيادة
٭ المؤسسة القضائية التونسية
٭ هل تستمد مواضيع الكتاب الموالي من أحداث وقعت في الكتاب الأول؟
ـ أول شخص يتكون هو مؤلف الكتاب لأنه يكتشف أشياء وحقائق كان يجهلها بمعاشرة الوثائق التي تعطي فكرة لكتاب آخر، وفي هذا الاطار أتى كتاب «دولة بورقيبة، فصول في الايديولوجيا والممارسة» في هذا الكتاب درست ايديولوجيا الزعامة البورقيبية، ثم حاولت فهم السلوك السياسي للدولة الوطنية من خلال علاقتها بالسلطة القضائية وعلاقتها بالادارة الجهوية، حاولت أن أبين أن هناك تواصلا في السياسة والتصرف ونفوذ الزعيم بورقيبة واقعياً ورمزياً، يعني تواصل مؤسسة الباي والبلاط. ويمكن اعتبار الكتابين فصلين في فهم المؤسسات والنفوذ في تونس المعاصرة خلال الحماية وبعد الحماية، هناك وحدة نظرية بين الكتابين.
٭ القسم الأول اهتم بدراسات في الايديولوجيا البورقيبية
٭ القسم الثاني اهتم بدراسات في الممارسة السياسية البورقيبية
من قرأ الفصل الأول اعتبرني متعاطفاً مع النظرة البورقيبية، أما من قرأ القسم الثاني فقد اعتبرني من معارضي السياسة البورقيبية، وهذا في حد ذاته ملخص طبيعة السلطة البورقيبية، الفكر في واد والممارسة في واد آخر.الفكر حداثي والممارسة ديكتاتورية شخصانية، ادعاء بناء مؤسسات حديثة، لكن واقعياً السلطة فردية ٭ كف تختار مواضيعك ؟
ـ ذلك تابع نظرتي لتاريخ تونس، فكرة التواصل في الايديولوجيا التاريخية لحكم بورقيبة، حاولت أن أبين وأن أجعل من أن بورقيبة بنى كل شيء من مؤسسات وهياكل ووعي سياسي فكرة نسبية، أن أنسب أيضاً فكرة استعمارية فحواها أن فرنسا هي التي بنت كل شيء في تونس، أردت التأكيد على أن المؤسسات السياسية في تونس هي مؤسسات عريقة، وتستند الى منطق داخلي لا تعوزه العقلانية، وأن التنظيم السياسي للسلطات في تونس هي أقدم حتى من الفترة العثمانية، كل هذا في اطار فهمي لطابع التواصل بين مختلف الحقب التاريخية التي مرت بهذه البلاد.
٭ قبل أن ننتقل للحديث عن كتابك الأخير، أود سؤالك عن بعض المقالات التي نشرت، منها مقالك عن كتاب الأستاذ محمد الطالبي الأخير عن غزة ؟
ـ هو كتاب مهم جداً، لأنه شهادة عن مسار مثقف وأكاديمي، العربي المسلم الذي آمن بحوار الثقافات وتكامل الحضارات، والحوار الاسلامي المسيحي، ليكتشف تحت وطأة الأحداث القريبة، العراق وغزة، أنه كان يجري وراء سراب، فهي شهادة عن خيبة مريرة، و هذا الكتاب يستحق اهتماماً أكبر مما حظي به الى حد اليوم، ألف الطالبي الكتاب باللغة الفرنسية وكأنه موجه الى الغرب، وهذا ما جعل عددا محدودا من العرب ممن اطلع عليه، وصداه أيضاً في الغرب محدود جداً. كان يمكن أن يكون له صدى أكبر لو كتب باللغة العربية أو الانقليزية، لأن العالم الأنقلوسكسوني أوسع بكثير من السوق الفرانكفونية، أعتقد أن الطالبي وقع في نفس خطإ التقييم في كتابه الذي سبق كتاب غزة وهو كتاب «الاسلام ليس حجاب هو عبادة».
٭ في الأسبوع القادم مع الأستاذ عدنان منصر: جدلية الاسلام والاسلام، التطبيع، والخلافات بين الحزب الدستوري والحركة النقابية في تونس... ومواضيع أخرى.

٭ حاورته: رشأ التونسي

vendredi 26 novembre 2010

الدرّ ومعدنه: كتاب جديد حول تاريخ العلاقة بين النقابي والسياسي في تونس

أصدر الأستاذ عدنان المنصر (أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة) خلال هذا الشهر (نوفمبر 2010) كتابا جديدا بعنوان " الدرّ ومعدنه : الخلافات بين الحزب الدستوري والحركة النقابية في تونس 1924 ـ 1978 ـ جدلية التجانس والصراع" . وتضمن الكتاب في 174 صفحة ثلاثة فصول إلى جانب ملحق يشمل شهادتين مسجلتين في أكتوبر 2010 مع الأستاذ أحمد بن صالح حول تجربته في قيادة الاتحاد والمجلس القومي التأسيسي ومع الأستاذ محمد الصياح حول طبيعة العلاقة بين الحزب والاتحاد.
الفصل الأول من الكتاب تمحور حول "التأسيس النقابي وقضية الاستقلالية عن العمل الحزبي" وأبرز تردد الدستوريين (الحزب الدستوري القديم) في معاضدة التجربة النقابية الأولى ثم تلقفهم (الحزب الدستوري الجديد) للمبادرة النقابية الثانية فنشأة الاتحاد العام التونسي للشغل كأكبر " المنظمات القومية" في تونس الأربعينات وإشكالية النضال الاجتماعي في بيئة استعمارية ثم عند بناء دولة الاستقلال، أما الفصل الثاني (من محاولة الاحتواء إلى الصدام) فقد ركز على تخلي الدستوريين عن النقايين وجامعة محمد علي الحامي (1924/1925 ) ثم تخلي النقابيين (جامعة القناوي 1937 ـ 1938) عن الدستوريين الذين ردوا الفعل بالاستيلاء عليها ثم زوال المنظمة وصولا إلى التحول الذي حدث مع الاستقلال وإمساك الحزب الحر الدستوري بالسلطة وانتقال علاقته مع الحركة النقابية من التحالف إلى الهيمنة. و تم التأكيد في الفصل الثالث المتعلق بموقع البرامج من الصراعات الحزبية النقابية على أهمية البرنامج الاجتماعي للاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1956 الذي أثبت قدرة الاتحاد على صياغة بدائل اقتصادية واجتماعية وهو ما افتقدته الحركة النقابية خلال أزمة 1977 /1978 رغم عمقها الشعبي والتفاف القاعدة بالقيادة . وفي هذا السياق اعتبر الكاتب أن أكبر الفوارق بين أزمة 1956 و أزمة 1978 تكمن في انعدام أي بعد جماهيري للأزمة الأولى (إقالة أحمد بن صالح في ديسمبر 1956) واتسام الثانية بجماهيرية ومواجهة دموية (26 جانفي) غير مسبوقة حيث طرح الخطاب النقابي في سنة 1978 قضية استقلالية المنظمة النقابية عن الحزب بأكثر حدة.
ولئن طرح الكتاب أسئلة وإشكاليات هامة عديدة فإن دراسة إشكالية استقلالية المنظمة النقابية تمثل عنصرا مركزيا في هذا البحث مع التأكيد على أن الاختلاف في فهم الاستقلالية النقابية ليس مجرد اختلاف نظري و اعتبار أسبقية السياسي على النقابي في التجربة التونسية وقدوم معظم عمليات التأسيس النقابي الوطني من الفضاء الحزبي ذاته.
ومن أهم الاستنتاجات التي يخرج بها الكاتب في هذه الدراسة التأليفية أن العلاقة بين النضال السياسي والنضال الاجتماعي في وضعية استعمارية لا ينبغي أن تحلل دائما من منطلق تبعية النقابي للسياسي ومعاضدته له، بل من منطلق تداخل التأثيرات وتبادلها بين حقلين متكاملين في مسار الانعتاق الوطني. وفي هذه النقطة وغيرها من النقاط المثيرة للجدل والمناقشة لم يخل الكتاب في نظرنا من جانب تنظيري (تعميمي) مثل قوله "إن الخطاب الاشتراكي ولاحقا الشيوعي كان يقلل من أهمية الاعتبارات الوطنية والملية ويجعل منها إحدى مشتقات الشوفينية والعنصرية، في حين كان الوطنيون على اختلاف نحلهم يعتبرون ذلك مجرد تغطية ايديولوجية على واقع استعماري متسم بالقهر والتفوق يستفيد منه اليمين كما اليسار الفرنسيان. ولا يتعلق الأمر إزاء هذه القضية بتونس دون غيرها بل إننا نجدها تطرح في كل علاقة بين اليسار الاستعماري والوطنيين بعد مرحلة التعاطف الأولى التي تمر بها هذه العلاقة...".
كما بيّن الكتاب أنه منذ 1956 بالخصوص استعمل الحزب الدستوري سلاح الاتهام بانعدام الوطنية لدى مخالفيه لإزاحتهم من طريقه كلما شكلوا خطرا على توجهاته سواء كانوا من النقابين أو من السياسيين. و أوضح كيف أن اللجوء إلى تأسيس منظمات موازية سيكون عنصرا قارا في السياسة الرسمية تجاه المركزية النقابية كلما أعيت الحكومة الحيلة لإخضاعها بالصورة التي تريدها. كما اعتبر أن المركزية النقابية (بعد الاستقلال) كانت خاسرة بمشاركة عناصر منها في الحكومة الجديدة لأنها كانت مشاركة أفراد لم يحملوا البدائل الاقتصادية والاجتماعية للاتحاد إلى الحكومة الجديدة كما أنها مشاركة استنزفت الاتجاد من عناصر قيادية هامة. أما البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي قدمه الاتحاد في مؤتمره المنعقد في شهر سبتمبر 1956 فقد اعتبره عدنان المنصر المبادرة الجدية الوحيدة لتصور المجتمع التونسي بعد الاستقلال مشيرا إلى أن ذلك لم يكن مقبولا من الزعيم بورقيبة ومن قيادات الحزب و حتى من بعض "القادة التاريخيين" للاتحاد (التليلي وعاشور) الذين كانوا ينظرون بعين الحذر لأحمد بن صالح ولأفكاره الاشتراكية.
وقد كان السؤال الأخير في الحوصلة الختامية للكتاب لا يقل أهمية عما تم طرحه من إشكاليات وهو: هل كان بإمكان الاتحاد التطور إلى حزب عمالي مثلما ألمح لذلك بعض النقابيين منذ 1956؟ ولكن الإجابة المختصرة التي قدمها الكاتب حول العوائق التي حالت في رأيه دون تحقيق ذلك تتطلب في اعتقادنا تحليلا أوسع ربما يتجاوز نطاق البحث.
وعموما يبدو لنا هذا الكتاب مختلفا عن أعمال سابقة للمؤلف مثل كتابه "استراتيجيا الهيمنة: الحماية الفرنسية ومؤسسات الدولة التونسية" ولا سيما من حيث تنوع المراجع وثراء المصادر (التي يطغى عليها الجانب الصحفي)، وربما يعود ذلك كما أشار الكاتب نفسه إلى أنه موجه أكثر إلى الجمهور الأوسع من المتلقي الأكاديمي، معترفا في الآن نفسه بصعوبة تتبع واستقراء العلاقة المعقدة بين الحركة النقابية والحزب الدستوري في تونس بالرغم من حرصه على مراجعة أكثر التزاما بالمنهج العلمي للصيغة الأولى للعمل وهو بحث قديم في إطار الأستاذية تحت إشراف الأستاذ علي نور الدين بدار المعلمين العليا بسوسة في أواخر العهد البورقيبي وقد اقتبس عدنان المنصر عنوان كتابه من الوزير الأول آنذاك (محمد مزالي) الذي صرح بعد سيطرة "الشرفاء" سنة 1985 على الاتحاد ومقراته بعبارة " عاد الدرّ (أي الاتحاد) إلى معدنه (أي الحزب الدستوري)" وقد طغى على تلك الصيغة وفق التقييم الذاتي للمؤلف التسرع وإطلاق الأحكام والوقوع في أخطاء فادحة ولكننا لاحظنا بدورنا تسرعا من نوع آخر وإن كان شكليا هذه المرة رافق إصدار هذه الطبعة الأولى من الكتاب على نفقته الخاصة وهو تسرب بعض الأخطاء المطبعية التي طالت أحيانا تواريخ هامة مثل مؤتمر الحزب الدستوري بصفاقس في نوفمبر 1955 وليس أكتوبر كما تكرر في الكتاب. وهذا ما نأمل أن يقع تفاديه ومراجعته في الطبعات القادمة التي يستحقها هذا الكتاب الهام الذي يمثل بالتأكيد إضافة نوعية إلى المكتبة التونسية السياسية والنقابية والتاريخية.

عادل القادري ـ جريدة الوحدة

بتاريخ السبت 27 نوفمبر 2010

mardi 23 novembre 2010

صدور كتاب عن تاريخ العلاقة بين الحركة النقابية في تونس والحزب الدستوري




المصدر:
الثلاثاء 23 (نوفمبر) تشرين الثاني 2010

صدور كتاب عن تاريخ العلاقة بين الحركة النقابية في تونس والحزب الدستوري

تونس - خدمة قدس برس
يبحث كتاب "الدرّ ومعدنه: الخلافات بين الحزب الدستوري والحركة النقابية في تونس" الصادر في (نوفمبر) تشرين الثاني 2010 للمؤرخ عدنان المنصر العلاقة بين الحزب الذي هيمن على الحياة السياسية في تونس منذ تأسيسه سنة 1920 والحركة النقابية في أطوارها المختلفة.
وقد تناول المؤلف هذا الموضوع عبر ثلاثة أبواب: أوّلها دور القيادات الحزبية في مسيرة التأسيس النقابي وطبيعة تناول الطرفين الحزبي والنقابي لمفهوم الاستقلالية خلال مرحلتي الاستعمار والدولة الوطنية. ثمّ طبيعة تطوّر العلاقة بين الطرفين من التأسيس إلى الصدام، وفي الباب الثالث يبحث الكاتب موقع الخيارات الاقتصادية والاجتماعية من الصراعات بين الطرفين. كما ضمّن المؤلف كتابه ملحقا بشهادتين حول الموضوع واحدة لأحمد بن صالح الأمين العام الأسبق للاتحاد العام التونسي للشغل والثانية لمحمد الصياح مدير الحزب الدستوري الأسبق.
يبيّن عدنان المنصر أنّ الحزب الحرّ الدستوري التونسي كان مترددا في معاضدة التجربة النقابية الوطنية الأولى التي تأسست سنة 1924 تحت اسم جامعة عموم العملة التونسيين بقيادة محمد علي الحامّي. ورغم مساندة الحزب للنقابة ودعمه مشروع التأسيس بالمال ووجود بعض عناصره ضمن مكتب الجامعة ومشاركة عديد العناصر الدستورية في تأطير حركة الإضرابات العمالية الشهيرة في أيلول (سبتمبر) 1924، فقد سارع الحزب بعد انطلاق موجة من القمع الاستعماري الفرنسي ليعلن أنّ محمد علي ليس دستوريا وأنّه لم يكن يمثل في مواقفه آراء الحزب الحرّ الدستوري وأنّ الحركة العمّالية التي يقودها لا تشبه بالمرّة الحركة الدستورية التي هي سياسيّة بالأساس. وكان هذا الموقف حسب الكاتب بمثابة التبرّؤ وإظهار المسافة من الجامعة. وهو ما مهّد بعد أشهر من التأسيس لمحاكمة النقابيين وحلّ جامعتهم. وحسب عدنان المنصر فإنّ تخلي الحزب الدستوري عن النقابة كان ثمن أمله في تطوير العلاقة مع الاشتراكيين الفرنسيين الذين كانوا في الحكم آنذاك.
كما آل مصير التجربة النقابية الثانية إلى الانحلال في يناير (كانون الثاني) 1937 بعد أشهر من التأسيس بسبب التجاذب بين الحزبي والنقابي. وبعكس التجربة الأولى فإنّ الجامعة النقابية بقيادة بلقاسم القناوي هي التي رفضت هذه المرة الانخراط في التصعيد والإضرابات التي دعا إليها الحزب الدستوري. وقد ردّ هذا الأخير الفعل عبر الإطاحة بالقيادة النقابية الشرعية وتنصيب أخرى، وهو ما كان مقدمة للدخول في فترة من الركود النقابي.
واختلف الأمر مع تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل كبرى المنظمات الوطنية سنة 1946 بقيادة الزعيم فرحات حشاد. يقول عدنان المنصر "في مثال حشاد بالذات، ينبغي ملاحظة الإمكانيات الكبيرة التي تمنحها الاستقلالية التنظيمية حيث يتمتع العمل الوطني بحليف منخرط في الإستراتيجية التحررية من منطلق القناعة الكاملة وليس من منطلق التبعية". ويضيف المؤلف "في ظل توفر ظروف ملائمة يصبح العمل النقابي قاطرة تدفع بالعمل الوطني نحو مجالات تأثير أوسع".
ويعرض الكتاب كيف تمكنت المنظمة النقابية الثالثة من ضمان تكامل العمل الوطني إلى حدود سنة 1956 عندما أصبح الحزب الدستوري ماسكا بزمام الحكم بقيادة الحبيب بورقيبة الذي سعى إلى احتواء المنظمة النقابية باسم "الوحدة القومية". وكان الاختلاف حول الخيارات الاجتماعية والاقتصادية سببا في الإطاحة بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أحمد بن صالح أسابيع بعد انتخابه في مؤتمر 1956. ثم أطيح بالحبيب عاشور من نفس المنصب سنة 1965 عندما أراد مقاومة نفوذ الحكومة والحزب في الوسط العمّالي. وبعد عشر سنوات من ذلك ظهرت بوادر أزمة جديدة بين الطرفين بلغت ذروتها في يناير (كانون الثاني) 1978 عند إعلان الإضراب العام وسقوط قتلى وجرحى برصاص الشرطة والجيش.
تراث الهيمنة
وضع عدنان المنصر لمؤلفه عنوان "الدرّ ومعدنه" وهي عبارة اقتبسها من تصريح لرئيس الحكومة الأسبق محمد مزالي سنة 1985 عندما أطاح الحزب الحاكم والحكومة بقيادة اتحاد الشغل وتم تنصيب مكتب موال، عندئذ أطلق مزالي قولته "عاد الدرّ إلى معدنه" تلخيصا لنظرته لهذه المنظمة.
ويخلص الكاتب إلى أنّ بين النقابي والحزبي كان تحالف ثنائي في مواجهة الاستعمار فرضه الواقع، وقد تمت المحافظة عليه بعد إعلان الاستقلال لكنّه ظلّ تحالفا متضمّنا لهزّات كامنة وكان من المتوقع باستمرار حتى في فترات السكون والتناغم أن ينفجر الخلاف وتندلع الأزمة مع أوّل اصطدام بموضوع ذي حساسية معيّنة. ويتساءل المؤلف: هل كان بإمكان الاتحاد العام التونسي للشغل أن يتطوّر إلى حزب عمّالي، ليجيب عن ذلك بقوله "إنّ عوامل عديدة منعت ذلك أهمّها التداخل الكبير بين الفضاء الحزبي والفضاء النقابي وتأرجح القيادة النقابية بين الموالاة والمعارضة وكذلك ضيق أفق الحريات السياسية وأهمّها حرية التنظم".
ويعتقد المنصر أنّه في أواخر السبعينات من القرن الماضي كان الاتحاد العام التونسي للشغل مرشحا لرعاية التوجه نحو التحوّل الديمقراطي الممكن مع أفول الحزب الحاكم كقطب يجمع كل التونسيين، لكنّ الحزب الدستوري الحاكم أجهض هذا المسار بواسطة الجيش والقوة المفرطة فوضع حدّا لجميع إمكانات تحول النظام إلى الانفتاح السياسي، على حد تعبير المؤلف